الأربعاء، 6 أغسطس 2014

الرشوة.. مقال الفريق في جريدة عمان

الرشوة


لقد جبل بنو آدم على حب المال كحبهم للبنين، ولكنها تبقى حقيقة لا تتبدل : "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" فهذه شهوة اقرها الله :"وتحبون المال حبا جما"،ومما يحزن أن نجد بيننا من يسعى بمعاملات باطلة انعكس أثرها سلبا على ثروات وطننا،... الرشوة،.... كسب حرمه الشرع فقد قال تعالى :"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل -"-الآية 188 من سورة البقرة - فهذا نال منصبا وذاك شهادة ، وغيره رخصة أو إجازة أو تخليص معاملة ـ وهلم جرا ـ والنتيجة طبعا الغش والاختيال وإضاعة للأموال،ونسيان للحديث: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به).

كثيرا ما نسمع عن داء أو ظاهرة دخيلة تتسم بالخطورة تنتج منها صور، وأفعال تفسد مجتمع يسعى برقي الأمان ،وتقدم الاستقرار ثم يبتعد عن المخاطر بشتى حفاوتها يطلق عليها الرشوة، وهي إحدى أرهص النفس البشرية التي يرنوها مرضى النفوس ،يستغلون من غرس في هذه الأراضي الخصبة مثلهم ، يغيرون بأهوائهم المادية كلمات يخبئون فيها سمومهم،يهرولون وراء المال، تاركين المبادئ الإنسانية تجري خلفهم للحصول على حفنة مآربهم الشخصية ,وإن كان ذلك خفاء الضوابط والقوانين دون العبء بما قد ترتبه هذه الآفة من نتائج سلبية ،ومساوئ تستفحل حياة المجتمع سواء في سنة عيشها ،ومعتقداتها الدينية، أو في طريقة تماشيها مع التشريعات المتباينة التي أضحى القانون هشا لا قوة له في مجابهتها، وكذلك هي سلوك اجتماعي غير سوي يلجأ إليه بعض الأفراد كوسيلة تنافسية متعارف عليها، وإساءة الاستغلال لتحقيق المصالح الخاصة على المصالح العامة.
لا يدع من يتجه هذا النهج المشين  موضعا يرمون قاذوراتهم عليه إلا واستخدم أحد أساليبه الاحتيالية عليه حتى ينهبون حقوق غيرهم ويجحفونها، يغدرون بالأمانة التي حملتها أكتافهم بكسب غير مشروع تحت مصطلح "فوق الطاولة "، فهم مجرمون دينيا ودنيويا وأخلاقيا وقانونا، ومن واجبنا الوصول إلى أهم الأسباب ،والدوافع التي تؤدي بأصحابها المصابين لمعالجتها،وبغية تحسين الوعي العام، وإضافة الرقابة الفعالة ، والعقوبات الرادعة ،ونعود الجميع بمسؤولية انتشارها وجودا وعدما ،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" لعن الله الراشي والمرتشي".

حكم الرشوة في القانون العماني مما لا شك فيه بأنها جريمة بحد ذاتها ينتج عنها آثار، وعواقب وخيمة على الفرد، والمجتمع يقع في شباكها من يجهل القانون أو من يستغله جشعه بغية الحصول على الرخص ،والصفقات والتملص من الضرائب أو التهرب منها ،وهي مجرمة شرعا وقانونا؛ لخطورتها ،فقد قال الله تعالى :" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحاكم لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون "ومن أمثلة ذلك عندما يقوم الفرد بدفع رشوة للحصول على وظيفة معينة لا تتوافر فيها مقوماتها، وشروطها وهو ليس أهلا لهذه الوظيفة مما يترتب عليه القصور في العمل ،والإنتاج وإهدار للموارد وحض للتلاعب والاعتداء على حقوق الغير وبمصالحهم.

والرشوة مؤثمة بموجب نصوص قانون الجزاء العماني وورد تجريمها في الباب المتعلق بالجرائم الواقعة على الإدارة العامة في الفصل الثاني الخاص بجرائم الموظفين بنص المادة 155 من قانون الجزاء العماني وبما أن الرشوة يقوم بها موظف عمومي يقوم بخدمة عامة فيتحتم علينا أن نعرف من هو الموظف وفقا للمادة 154 من قانون الجزاء العماني :" كل عينه جلالة السلطان أو الحكومة لقاء راتب  يتقاضاه من خزانة الدولة وكل شخص ندب  أو انتخب لأداء خدمة عامة ببدل أو بغير بدل فكل من اكتسب هذه الصفة يعاقب بالنصوص المجرمة بالرشوة في حالة إقدامه عليها".
أما النصوص التي وردت في القانون و تطرقت للرشوة وعقوباتها فنجد بداية أن المادة 155قد نصت :" كل موظف قبل الرشوة بنفسه أو لغيره مالا أو هدية أو وعدا أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته أو ليمتنع عنه أو ليؤخر إجراءه يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تساوي على الأقل ما أعطي له أو وعد به ويعزله من الوظيفة مدة يقدرها القاضي ويعفى الراشي أو الوسيط إذا اخبر السلطة قبل الحكم بالدعوى"، مفهوم المادة يقضي بأن قبول الرشوة أو الوعد بعد العرض من الراشي القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته، ويعاقب الموظف عن جنحة الرشوة شرط أن تكون تلك الأعمال داخلة في اختصاص وظيفته ،كما أن الراشي أو الوسيط يعفى من العقاب إذا أبلغ السلطات المختصة قبل أن تفصل المحكمة في الدعوى إلا أن الإعفاء في حال التبليغ مقصورا على قبول الموظف المرتشي للرشوة.
ونصت المادة 156 من ذات القانون على أنه:" يعاقب الموظف بالسجن حتى عشر سنوات إذا قبل الرشوة أو طلبها ليعمل عملا منافيا لواجبات الوظيفة أو للامتناع عن عمل كان واجبا عليه بحكم الوظيفة وبغرامة تساوي على الأقل قيمة الرشوة ويعزله من الوظيفة مؤبدا ، وتتناول العقوبة أيضا الراشي والوسيط ،كما أنها تتناول وكلاء الدعاوي إذا ارتكبوا هذه الأفعال" وهنا تقضي المادة بأن الرشوة أو قبوله للقيام بعمل مناف لواجبات الوظيفة أو الامتناع عن هذا الواجب ويعاقب الموظف بجريمة جناية الرشوة ليرتفع حد عقابها إلى عشر سنوات، وبغرامة مساوية لقيمة الرشوة ، وبالعزل المؤبد ،وتطول العقوبة للراشي والوسيط.

وكذلك نصت المادة  157 من قانون الجزاء العماني على أنه:" إذا قبل الموظف الرشوة بعد قيامه بالعمل الذي توخاه الراشي يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات وبغرامة تساوي قيمة الرشوة التي قبلها" فهنا تنص المادة على صورة الرشوة اللاحقة أو قبول المكافأة، وتفترض هذه الصورة أن لا يكون هنالك اتفاق مسبق بين الراشي ، والمرتشي كما هو في حال جريمة الرشوة الأصلية، وإنما يقبل الموظف المكافأة التي يقدمها له الراشي بعد قيامه بعمل قصده المرتشي ، ويعاقب الموظف عن جنحة الرشوة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة تساوي قيمة الرشوة.
ونصت المادة 158 من القانون على أنه :" يعاقب الراشي أو الوسيط بالسجن من شهر إلى سنتين إذا حاول رشوة موظف فرفضها" وتقضي هذه المادة على المحاولة
أو الشروع في ارتكاب الجريمة من قبل الراشي ،ومثال على ذلك لو حاول رشوة الموظف فرفضها، وبما تجدر به الإشارة أن هذه الجريمة لا تحتاج أن تحرك من قبل الأفراد بدعوى أمام الجهات المختصة حيث تباشرها بنفسها ،وتحركها أمام القضاء نظرا لاختصاصها القانوني ؛حماية، ودفاعا عن الحق العام ،وتعتبر دعوى عمومية يباشرها الادعاء العام. 
ومن أهم أسباب تجريمها وتحريمها:الحفاظ على مبدأ نزاهة الوظيفة العامة؛ لأنها تهبط بسمو الوظيفة العامة إلى مستوى السلع، و تجنب التفرقة بين المواطنين فمن يدفع المقابل يحصل على محصلته من الوظيفة العامة ومن لا يستطيع يفقد مصلحته ، وتجنب إهدار أحكام القانون حيث تضيع شروط انتفاع الأفراد بالخدمات العامة ويتغير وجه الاستحقاقات والخدمات بغير شروط الاستحقاق القانونية ، وإثراء الموظف العام بدون سبب مشروع على حساب المصلحة العامة،
فهي تؤدي نخر المال العام وإهداره دون حق أو مشروعية .

فريق الناموس التطوعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق